هل صحيح ان امريكا ضدالتصعيد السعودي

جولان تايمز
بقلم خالد خليل
لا تخفي السعودية ان عقيدتها الاستراتيجية مبنية اصلا على عقيدة الفكر الوهابي الذي يرى في الشيعة عدوه المركزي ، فهي تبرر غزو اليمن والعدوان عليه من اجل منع التمدد الايراني، وكذلك في المسالة السورية تتدخل بكل قوتها الى جانب الجماعات المسلحة من اجل وقف التغلغل الايراني ، الخطاب السعودي برمته مبني على مواجهة ايران كدولة شيعية. التحالفات السعودية عربيا وإسلاميا مؤسسة على هدف درء الخطر الشيعي الايراني وامتداداته في العالمين العربي والاسلامي. وترى السعودية في إبرام الاتفاق النووي مع الدول العظمى إنجازا لإيران ومخرجا من حصارها مما سيؤدي بالتالي الى ازدهارها الفوري بعد البدء بتطبيق الاتفاق هذا العام.
وفي المفهوم السعودي فان ازدهار ايران وازدياد قوتها معيق اساسي لنجاح المشروع السعودي في استمرار سيطرتها على الخليج والأنظمة العربية التي تتوسل منحا اقتصادية منها.
العلاقات الاسرائيلية السعودية والتي بدات منذ عقود طويلة كعلاقات سرية تكثفت بحدة واضحة بعد العام ٢٠٠٦ حينما فشلت اسرائيل بتحقيق اهداف العدوان على لبنان وإزالة خطر المقاومة التي يقودها حزب الله والتي تعتبره اسرائيل خطرا استراتيجيا عليها ، وقد استنتجت اسرائيل في اعقاب الحرب انه ليس حالة عابرة يمكن التخلص بحرب جديدة مباشرة معه، خاصة وانه يتمتع بدعم غير محدود ومنهجي من ايران وسورية ويشكل ركنا أساسيا من أركان محور مقاومة اسرائيل. العقيدة الأمنية الاسرائيلية تركز في العقد الاخير على تمزيق هذا المحور كضرورة أساسية لإزالة المخاطر الاستراتيجية والوجودية، وإسرائيل ما زالت تعتبر ايران خطرا وجوديا عليها رغم عدم وجود سلاح نووي في ايران كما ادعت في حملاتها المكثفة عالميا وامريكيا من اجل إسقاط الاتفاق النووي، وهي كذلك بالنسبة لاسرائيل لانها، اي ايران ، تتبنى فكرة ازالة اسرائيل عن الوجود كمسالة مبدئية في تماه تام مع موقف المقاومة اللبنانية وهو ما يخيف اسرائيل فعليا اكثر من امتلاك ايران للسلاح النووي في هذه المرحلة. هذه الرؤية ما زالت على حالها حتى بعد التوقيع على الاتفاق وإسرائيل حاليا لا تدخر جهدا في مواصلة نشاطها السري والعلني من اجل عدم تطبيق الاتفاق.
وفي هذه النقطة بالذات تلتقي تماماً مع السعودية. من هنا فان تكثيف العلاقة مع السعودية عنوانه مواجهة ما يسمى بالخطر الايراني. الفرق بين الطرفين ان اسباب العداء السعودي لإيران ليست سعودية خالصة ولا تنطلق من ضرورات أمنية واقتصادية كما هو الامر بالنسبة للدول المتطورة ، وانما هي مزيج من عقيدة وهابية تدميرية تحركها النعرات الطائفية المذهبية وعقلية ثارية متخلفة لنظام وحكام يتملكهم الشعور بالنقص والدونية ، اضافة الى خضوع تام للإرادات الخارجية ولعب دور الأداة لتحقيق الاهداف الاستعمارية. اما بالنسبة لاسرائيل فهي نفسها الممثل الحقيقي للاستعمار وجزء اساسي منه ومخاوفها الوجودية من ايران وغيرها هي مخاوف طبيعية لأي مستعمرة كولونيالية . لقد استنتجت اسرائيل وقبلها امريكا ان اي حرب مباشرة مع ايران ستكون غالية التكاليف وعظيمة التبعات. لذلك فالخيار الاسرائيلي في الوضع الراهن هو استمرار إذكاء الأزمات والحروب في الشرق الاوسط وبالتحديد إذكاء الحرب السنية الشيعية بايد اسلامية وعربية وبدعم اسرائيلي وامريكي تام لوجستيا وعسكريا في بؤر معينة وهذا ما عبر عنه بشكل واضح المحلل الاسرائيلي يسرائيل هرئيل : “اذا استمرت وتوسعت التحالفات السنية الحالية ضد مساعي الشيعة الايرانية، سوف تضعف الاخيرة من الناحية الاقتصادية والعسكرية. وهذا التطور من شأنه ان يكون في مصلحة اسرائيل. وتستطيع اسرائيل المساهمة في هذه التحالفات وتقويتها بالذات في المجال الامني، وخاصة منع ايران – أي الشيعة – من السيطرة على الشرق الاوسط”.
منذ بداية ما يسمى بالربيع العربي تعمل السعودية بتنسيق تام مع اسرائيل وامريكا من اجل اقامة هذه التحالفات تحت مسمى مواجهة الارهاب. وان كانت امريكا تدعي صبح مساء ان هدفها الاول في المنطقة هو القضاء على الارهاب الا انها لا تخفي استراتيجيتها المعلنة لتقسيم المنطقة ، فمنذ بدايات الربيع العربي اعلنت ان الحل في العراق هو تقسيمه الى اقليم كردي وإقليم سني وإقليم شيعي في اطار اتحاد فيدرالي وأقاليم مشابهة في سورية ضمن ما يسمى بالاتحادات الفدرالية. قد تصرح امريكا مرارا وتكرارا ضد التصعيد بين السعودية وإيران ، لكنها لا تفعل شيئا من اجل وقف هذا التصعيد الذي اذا تطور الى حرب شرسة بين البلدين ، ستكون حينها امريكا داعمة بالمطلق للسعودية ولحلفائها العرب والمسلمين السنة . الموقف والسلوك الامريكي في العدوان على اليمن يثبت هذه الحقيقة بما لا يقبل التاويل. ولم يعد هناك شك ان امريكا انما تسعى للتقسيم كضرورة من اجل احكام منظومة النهب والسيطرة على المنطقة وثرواتها.
إذكاء الحروب في المنطقة وتحديدا على اساس الفتنة السنية الشيعية ينسجم تماماً مع المشروع الامريكي كما ينسجم مع المشروع الاسرائيلي وان اختلفت التكتيكات او بدت التصريحات متناقضة احيانا بين امريكا وإسرائيل.
ما يزعج في المشهد الحالي ليس مواقف امريكا وإسرائيل والنظام الرجعي العربي ، فهذه المواقف مؤسسة على استراتيجات استعمارية متوحشة لن تتغير الا بتغيير حقيقي في ميزان القوى يفرض نفسه على الارض ليس كقوة ردع فقط كما هو حاصل حتى الان ، وانما تغيير عماده قوة فاعلة وازنة وثابتة سيكون من مظاهرها إفشال مشروع اعادة التقسيم الاستعماري. من المتوقع ان ايران تدرك جيدا بان الانجرار الى أتون الحرب السنية الشيعية هو هدية بلا مقابل لهذا المشروع. ما يزعج حقيقة ان هذه القوى نجحت في اختراق الراي العام العربي الشعبي وشوهت ثقافته في بلدان كثيرة وتحديدا في الخليج وفي السعودية بالأخص ، وتكفي الاشارة هنا الى انه وفقا لاستطلاعات راي أوردتها صحف أجنبية فان 53% من السعوديين يعتبرون ايران العدو المركزي ، في حين 18% فقط يعتبرون اسرائيل كذلك. وهذا بحد ذاته انقسام خطير بدات تظهر آثاره في الشارع العربي عموما وليس في السعودية فقط ، حيث اصبحت احزاب وحركات سياسية ونخب كانت تتغنى بالمقاومة وتتغنى بانجازاتها تهاجمها باقذع الألفاظ والنقد التشويهي الذي لا يخدم سوى المعسكر الدائر في الفلك الاستعماري. ولم يعد غريبا مثلا ان يقول محمود عباس انه مع السعودية في كل ما تفعل وان ذلك برايه ليس عيبا. وليس غريبا ان توجه النخب العربية الممولة من النظام الخليجي تنظيراتها ضد الروس والإيرانيين والامتناع تقريبا عن تحميل المسؤولية لقوى الاستعمار المسؤول الفعلي عن كل الأزمات والاعتداءات والانتهاكات في كل بقاع العالم.
امريكا ومعها اسرائيل والنظام العربي الرجعي مسلحين بنخب عربية فاسدة وخبيرة بالكذب والدجل يعملون على مدار الساعة لتكريس هذا الواقع ، مما يستدعي اليقظة والحكمة وخلق البديل من خلال الميدان وتغيير موازين القوى.
ملاحظة: ما زالت غالبية الشعوب العربية تعتبر ما قاله محمود عباس عيبا وعارا وما تفعله تلك النخب المأجورة خيانة فكرية. من يوافق على ما تقوم به السعودية هو الداعم للارهاب الأخطر في العالم اي الارهاب الاستعماري الدولي بقيادة الولايات المتحدة ومشتقاتها.