أخبار مهمةسوريةعربي ودولي

تفاهمات نفطية وتنسيق ثلاثي في ملف النازحين مع دمشق


جريدة الاخبار اللبنانية

رسم الرئيسان ميشال عون وفلاديمير بوتين الخطوط الأولى لعلاقة استراتيجية بين لبنان وروسيا، بعد سنوات طويلة من العلاقات المتأرجحة بين البلدين. لقاء القمة أمس محطّة مفصلية في تاريخ العلاقة، مع التفاهمات السياسية والنفطية الكبرى التي أرساها الرجلان

تكسر شمس العاشرة صباحاً، حدّة البرد القارس المحمّل مع ريح الساحة الحمراء في قلب العاصمة الروسية موسكو. الموعد صار قريباً، والجنود الروس يروحون ويجيئون يتدربون بانتظار وصول الرئيس ميشال عون لوضع إكليل الورد على ضريح الجندي المجهول في الباحة الخارجية للكرملين. الأصابع تتصلّب والريح الباردة تلفح الرؤوس، وفرقة الموسيقى الروسية العسكرية بالزي الرمادي المذهّب، تستعد لعزف النشيد اللبناني ونشيد الموتى إكراماً لشهداء «الحرب الوطنية» (شهداء الحرب العالمية الثانية).
يسير عون بخطى جنرال قديم نحو الضريح، يعاون الجنود على وضع الإكليل، ثم يؤدّي تحيّة عسكريّة، على وقع نشيد الموتى ثم النشيد اللبناني. ومع لحظات الحزن البادية على وجوه الروس في ساحة الشهداء، ها هي الفرقة الروسية تختتم الطقس الرسمي بعزف موسيقى من التراث الروسي، فتنقل مزاج الحاضرين من الحزن إلى الحماسة.

قمّة عون ــ بوتين
الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر، تحطّ مروحية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين. قبل لقاء عون، نظم بوتين احتفالاً تكريمياً داخل الكرملين لعددٍ من المبدعين الروس. وأمام حشد من المميزين في مجالات الهندسة والعلوم والفن، أطلق الرئيس الروسي خطاباً تغنّى فيه بقوّة وعظمة الشعب الروسي والدولة الروسية، القديمة والجديدة. ساعة بالتمام والكمال، يستعد بوتين للقاء نظيره اللبناني، في إحدى قاعات القصر الكثيرة. السقف مقوّس نحو السماء، ومن داخله تظهر القباب العالية، مكسوّة بالقماش المذهّب والأضواء الباهرة. يدخل عون من الباب الأيسر وبوتين من الباب الأيمن، ويلتقيان بالوسط، حيث كان قد سبقهما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
خمس دقائق علنيّة، كانت كافية لتضع أسساً لمحطّة مفصليّة من عمر العلاقات اللبنانية – الروسية، ولتنسج كيمياء واضحة بين الرجلين، وتقديراً متبادلاً. اعتبر بوتين في كلمته المقتضبة أن لبنان شريك لروسيا، فيما رمى عون بأوراقه بثقة: تقدير مواقف بوتين في حماية المسيحيين المشرقيين، أخبره عن تفاهمات مهمّة في الشقّ الاقتصادي مع الشركات الروسية، وطلب من سيّد الكرملين طمأنات لكبح جماح إسرائيل بعد قرار الرئيس الأميركي الاعتراف بـ«السيادة الإسرائيلية» على الجولان السوري المحتل. وما إن أنهى عون نقطته الأخيرة، حتى طلب بوتين مغادرة الصحافيين والكاميرات، وكأن الدسم قد بدأ في الجلسة للتوّ.
نصف ساعة في الاجتماع المغلق، بحضور لافروف ومساعد بوتين يوري أوشاكوف والسكريتير الصحفي ديميتري بيسكوف عن الجانب الروسي، ووزير الخارجية جبران باسيل ومستشارة الرئيس ميراي عون عن الجانب اللبناني، وُضعت فيها أسس علاقة استراتيجية بين البلدين. وبحسب المعلومات، عرض الطرفان خطوط تفاهم عامّة حيال مختلف الملفّات المشتركة، بدءاً من ملفات النفط والغاز والتعاون العسكري والمالي والتبادل التجاري والاقتصادي، وصولاً إلى التعاون في الملفات الدبلوماسية على المستوى الدولي ومآلات الأزمة السورية وانعكاساتها على لبنان، ولا سيّما مسألة النازحين.
وركّز عون خلال هذه الجلسة، على الخطر الإسرائيلي على لبنان وسوريا، وأشار إلى خطورة مسألة الجولان، مفيداً بوتين بأن أهالي الجولان المحتل على مدى خمسة عقود رفضوا أن يكونوا جزءاً من دولة الاحتلال الإسرائيلي، وجرت محاولات إسرائيلية عديدة لإخضاعهم، لكنّهم صمدوا. وشرح للرئيس الروسي كيف أن لبنان يتضرّر من هذا الإعلان الأميركي، وأن في منطقة الجولان أجزاءً لبنانية يطالب لبنان باستردادها من الاحتلال.
لقاء القمّة كان إطاراً عاماً لتفاهمات كبيرة، ستؤثّر بمستقبل لبنان اقتصادياً وسياسياً، وبموقعه في السياسة الدولية، ولتظهر لاحقاً أيضاً في اللقاء الموسّع، جديّة عون وباسيل للبدء بتحويل تلك التفاهمات إلى خطوات عمليّة.

غداء العمل
بعد لقاء القمّة، انتقل الجانبان إلى مائدة الرئيس الروسي، لتنضمّ إليهم مجموعة من الشخصيات البارزة من الجانب الروسي، بما يعكس أيضاً جديّة روسية عالية في تطوير العلاقات وتعميقها مع لبنان: سيتشين إيغور إيفانوفيتش (رئيس الشركة النفطية روسنفط)، وزير الطاقة نوفاك أليكساندر فالينتينوفيتش، وزير التنمية الاقتصادية أوريشكين ماكسيم ستانيسلافوفيتش، والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا أليكساندر لافرينتييف والسفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسبيكين، فيما انضم عن الجانب اللبناني مستشار وزير الخارجية للشؤون الروسية أمل أبو زيد، والسفير اللبناني في موسكو شوقي أبو نصار ورئيس المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية رفيق شلالا ووفد المراسم اللبناني.
وبحسب أكثر من مصدر روسي ولبناني شارك في اللقاء، بدا التناغم في المواقف واضحاً بين الجانبين، مع مواقف متقاربة جداً حيال المصالح المشتركة بين البلدين.
من جهته، بدأ لافرنتييف بوضع الحاضرين بصورة تطوّرات الأزمة السورية، مؤكّداً إصرار سوريا وروسيا على مكافحة الإرهاب والحفاظ على وحدة الأراضي السورية ورفض أي وجود عسكري غير شرعي على الأرض السورية. وكشف لافرنتييف أن الجانب الروسي يعمل مع شركائه في مسار أستانا ومع سوريا على إخراج مسألة اللجنة الدستورية، متوقّعاً أن تكون اللجنة جاهزة خلال شهرين من الآن. وقال إن العمل حثيث على التسوية السياسية في سوريا، وأن سياسة روسيا هي خلق الظروف المواتية عبر تذليل العقبات مع دول الجوار ومع الدول الأوروبية.
أمّا وزير الطاقة الروسي، فشكر الدولة اللبنانية على جهودها بمساعدة شركتين روسيتين كبيرتين (نوفاتك وروسنفط) على العمل في لبنان، مؤكّداً حرص الجانب الروسي على توسيع أعماله في لبنان في قطاع النفط والغاز. من جهته، رحّب باسيل بكلام وزير النفط الروسي، مؤكّداً أن لبنان جاهز للتعاون مع روسيا في هذا المجال إلى أبعد الحدود، وأثنى ممثّل روسنفط على كلام باسيل، كاشفاً أن الشركة الروسية أصلاً تزوّد لبنان بنحو مليون طن سنوياً من الغاز.
ورأى لافروف أن الجانب الروسي يتعامل بشكل كامل في الشؤون الدولية بطريقة ايجابية، مشيراً إلى أن «الموقف الأميركي دائماً يعارض قضايانا المشتركة»، وكشف عن نيّة الخارجية الروسية دعوة لبنان والعراق لحضور اجتماعات أستانا بصفة مراقب. وحول ملفّ الجولان، انتقد لافروف أحادية الموقف الأميركي، مشيراً إلى أن «القرار غير منتظر ومفاجئ وأن انعكاساته ستكون خطيرة على مسار السلام في الشرق الأوسط، ومن الصعب جداً أن يقبل به أي أحد، والشرعية الدولية بأسرها تقول إن الجولان جزء محتل من سوريا». وانتقد لافروف الموقف الأميركي الذي يحمّل إيران مسؤولية كل الأزمات، «إذا امطرت يقولون طهران، وهم (الأميركيون) يخططون لإقامة حلف ناتو خليجي وتسعير حرب في الخليج». وكشف لافروف عن أنه لمس في محادثاته خلال الجولة الخليجية الأخيرة، رفضاً كويتياً وعُمانياً وقطرياً لفكرة الناتو الخليجي الذي يُعَدّ ضد إيران، وأن هذه الدول أقرب إلى المنطق الروسي، متّهماً الأميركيين بالسعي للتفرقة «على أسس مذهبية وعلى قاعدة سُني وشيعي».
وحين سُئل عون عن جاهزية حزب الله للتصدي لأي حرب إسرائيلية، في ظلّ الاستفزازات المستمرة من جانب إسرائيل، أكّد رئيس الجمهورية أن حزب الله قادر على مواجهة أي عدوان إسرائيلي.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق